''فتوى''.. هل إنتصر الإرهاب؟
إبراهيم الناظور، رجل تونسي ''عادي''، لا قضية كان يتبناها، ولا هموم وطنية، ولا شعارات كبرى.. إلى أن عاد ليواري إبنه الثرى بعد غربة طويلة عن الوطن، وهنا يجد نفسه في حرب لم يكن مؤمنا بها، وفي صراع ضار مع "الظلامية والإرهاب" بصورتيهما النمطية التي تناولتها السينما التونسية بأشكال عديدة بعد الثورة.
عن الموت وألمه وطقوسه، وصراع الفرد في استيعابه والتعامل معه، وبين اللاهوت واللامرئيات وشعائر التهوين المتداولة، وبين الثورة على هذه الحقيقة بكل أبعادها في الفيلم التونسي ''فتوى'' الذي عرض ضمن أيام قرطاج السينمائية ضمن المسابقة الرسمية للأفلام الطويلة، برز إشكال الإرهاب والتشدد الديني الذي طٌرح مرارا في السينما التونسية وفق زوايا مختلفة.
المخرج محمود بن محمود لم يشذّ في هذا الطرح كثيرا عن سابقيه، تونس وصراعها المحموم بين "اللائكية" و"التطرف الديني" بعد الثورة، وتونس ''قبل وبعد"، وتونس "الألوان والإعتدال أو الظلام والسواد".. ومن الذي سينتصر في هذه الحرب؟ ورغم أن الفكرة تحمل كمّا محترما من الطرافة، مروان الإبن الحاضر بالغياب في كل الفيلم الذي يدوم 102 دقيقة وتنطلق أحداثه بمصرعه في "حادث مرور"، والذي حوله تدور الأحداث والأزمات والأفكار، فمروان كان مراهقا ''فنانا'' وترعرع "على الطريقة الفرنسية''، لكن إنفصال أبويه (أحمد الحفيان وغالية بن علي) وغياب الأب الذي هاجر إلى فرنسا، أثّر في نفسيته وترك فراغا ساحقا ملأته بسرعة جماعات التطرف التي غزت البلاد إباّن الثورة. وإنتهت حياته فجأة في حادث دراجة نارية، ليتبين فيما بعد أنه قُتل.
وبين "المرسى" التي دفن في مقبرتها مروان، و"نهج المرّ'' الذي لجأ إليه وقضى في أحد أوكاره آخر أيام حياته، بدأ إبراهيم الأب الحائر تحقيقه في ملابسات وفاة فلذة كبده، وأسباب تغيّره من ''طالب فنون جميلة" إلى متشدد مراقب أمنيا.
وقد كان الحفيان مقنعا بآدائه البسيط وغير المصطنع الذي عوّد به جمهوره، في حين أن الدور كان يمكن أن أعمق مما ظهر فيه، كما هو الحال لبقية الأدوار والحوارات. فلا تطرق في الفلم إلى مغاور عالم التطرف ولا أسبابه الحقيقية.. صورة محمّلة بكليشيات المتطرّف الكلاسيكي: "ملتحي قبيح جاهل عنيف" والمرأة "كائن ضعيف مفعول بها" دون غوص في خفايا عالمهم ولا في ما وراء الأبواب والبيوت..
غالية بن علي، الأم الملتاعة على إبنها والطليقة الغاضبة، كانت متوسطة في آدائها لدور النائب "العلمانية" التي تخوض صراعا ضاريا مع الظلامية والإرهاب، وألّفت كتابا "تفضح" فيه هذا الفكر وهذه الجماعات.. لم تقنعنا غالية بألمها ولا بغضبها -كما كانت دائما مقنعة بصوتها- ولعل حضورها أمام ممثل في قيمة الحفيان، أبرز الفارق الجلي في الآداء.
ولقد كانت النهاية غير المتوقعة مباغتة لأغلب جمهور ''الكوليزي'' الذي غصّت به القاعة وافترش بعضهم الأرض، في مشهد ''صادم ودموي''، وقد يكون في قتل ابراهيم بذبحه على يد أحد المتطرفين بتلك الطريقة رسالة "متشائمة" لتصوّر المخرج للحرب مع هؤلاء.
أمل الهذيلي